إن للشاشة العريضة أثر كبير على الفن السينمائى . وبالتالى على فن المونتاج , بل إنها بدأت فى إعادة تعريف جماليات السينما ". جافين ميلار الجانب البصرى فى السينما هو مايشكل خاصيتها كفن , فإذا مانظرنا إلى حركة التطور السينمائى ,فسنرى بوضوح أن نجاح السينما الصامتة يعتمد على ان المخرجين السينمائيين كانوا قد تفهموا مقومات الصورة السينمائية جيداً ,, ولكنهم اضطروا مع تقدم "الصوت " أن يتنازلوا عما حققوه وينشغلوا باستيعاب مقومات هذا القادم الجديد , وكيفية اخضاعه لخدمة الجانب البصرى مرة أخرى .وعند ظهور الشاشة العريضة فى مطلع الخمسينات نظر إليها السينمائيون أيضاً على أنها إضافة بصرية يمكن أن تقوى الإحساس بواقعية الصورة إلى حد كبير من حيث أنها تزيد من الإيهام بالعمق واتساع الرؤية الذى يقترب إلى حد بعيد من المجال البصرى للإنسان . فبعد ان ظلت ابعاد الصورة محددة لوقت طويل بنسبة 4:3 أى 1.33:1 وهى النسبة التى تنبعث من مقاس جهاز "الكنتوسكوب " الذى قام بإختراعه توماس إديسون سنة 1893 والذى استعمل فيه فيلم 35 مللى وعلى كلا جانبيه 4خروم وأصبح بالتالى الفيلم المستعمل فى جميع أنحاء العالم فى عصر السينما الصامتة . إلا أنه عند إضافة شريط الصوت على جانب شريط الفيلم عند مقدم عصر السينما الناطقة أصبحت مساحة كادر الصورة تميل إلى شكل المربع والذى إعتبره السينمائيين انذاك شكل غير مرضى إلى حد كبير , لذلك وفى سنة 1932 قررت "أكاديمية السينما للعلوم والفنون Academy of Motion Picture Arts And Sciences " إعادة نسب الصورة إلى نسبة 4:3 عن طريق نقص إرتفاعها قليلاً بل وجعلها النسبة العالمية فى جميع الأفلام كما كانت سابقاً , ولذلك أطلق عليها نسبة الكادر الأكاديمى . ولكن ولأن هذه النسبة لا تسمح للمخرج بأن يكون عادة لقطات بانورامية فسيحة , أو لقطات تشتمل على جسم رفيع طويل , لأنها نسبة مفروضة على المخرج ولا تتحكم فيها الطبيعة الداخلية للمادة المصورة , ولأن الإطار يؤدى فى أغلب الأحيان وظيفته كوسيلة تعبيرية جمالية , لذلك وفى بداية الخمسينات تم ابتكار مانطلق عليه الشاشة العريضة. وفى الحقيقة أن محاولات التحايل على نسب الكادر الأكاديمى (4:3 ) لم تبدأ فقط فى الخمسينات وإنما بدأت منذ بدايات السينما الصامتة . فمثلاً ولأن جريفيث كان يهدف دائماً إلى أن يجعل المتفرج يرى قبل كل شىء آخر فقد حاول فى فيلمه " التعصب "سنة 1916 أن يهرب أحياناً من النسبة الثابتة لحجم الشاشة , وذلك بأن يخفى الجزء العلوى والجزء الأسفل من الصورة ليتم خلق تأثير الشاشة العريضة , وللتأكيد على الأفق الشاسع للمكان الذى يقوم بتصويره . وليزيد من الإحساس بالإرتفاع عندما يسقط جندى من اعلى سور بابل على الأرض فقد قام بحجب جانبى الكادر لتظهر الصورة ذات ارتفاع كبير وعرض ضئيل فى وسط الشاشة . بل وكثيراً مااستخدم هو وغيره من مخرجى السينما الصامتة نوعاً من الحجاب الدائرى لتركيز الانتباه على مركز الشاشة فى الوسط . وفى سنة 1927 صمم المخرج الفرنسى آبل جانس فيلمه "نابليون" على أساس عرضه على ثلاث شاشات متلاصقة , وبثلاث آلات عرض منفصلة ولكل منها عدسة مختلفة عن الأخرى واطلق على هذا النظام البوليفجن Polyvision , إيماناً منه بنظريته حول البعد السيمفونى للسينما - والتى فسرتها مساعدته نيللى كابلان فى نص بعنوان بيان لفن جديد .. تعددية الصورة - والتى قالت فيه ." ليس هناك سوى فن واحد يمتلك الغنى والشاعرية الضروريين للتعبير عن الحركة وإبرازها والسمو بها , وللتعبير أيضاً عن مصير العصر الذرى حيث تصبح السرعة والمشاعر التى لم يسبق اختيارها من قبل عنصراً من عناصر الحياة اليومية . هذا الفن هو السينما, ليس بالتأكيد فى وضعها الحالى كضحية لكل أنواع الوصايات وضروب القمع , بل السينما التى تزهر فى مناخ تعددية الصورة , فهنا تتهاوى حدود الزمان والمكان أمام إمكانيات شاشة متعددة التقسيم تجمع وتقسم وتضرب كما يشاء الخالق وتفترض عملية الخلق . تعددية للحركة , تعددية أزمان وعصور , ماض , حاضر , مستقبل كلها تتكثف وسط مدارها الخاص . ولأن جانس كان يهدف من هذه التعددية " أن يجعل من المتفرج ممثلاً وأن يقحمه فى سياق الأحداث وأن يشركه فى تتابع الصور " لذا كان يعرض مشاهد لمعارك جماهيرية بانورامية تمتد على طول الشاشات الثلاث بشكل متكامل , أو يعرض صفوف الجنود فى الشاشة الوسطى فى لقطات قريبة تمشى صوب المتفرج , بينما تعرض الشاشتان الجانبيتان لقطات بعيدة لصفوف الرجال السائرين نحو الميدان . ولأنه كان يعتقد أن تعددية الصور تمكنه من أن يثير فى عقول المتفرجين الأفكار . فإنه كان يظهر رأس نابليون فى لقطة قريبة على الشاشة الوسطى , وكأنه الرئيس العبقرى , فى حين يظهر على جانبيه مناظر جيشه فى المعركة فى لقطات بعيدة على أنه الأداة التى يستمد منها قوته. بعد ذلك وعلى مر السنين تم تنفيذ مقترحات متنوعة بحثاً عن شكل مثالى للشاشة قابل للتغيير , بحيث يمكن تطبيقه وتهيئته بلا حدود , وذلك كرد فعل من صناعة السينما فى هوليوود وفى العالم , تجاه التليفزيون الذى سحب منها عدداً كبيراً من المتفرجين , إلى جانب كثيراً من الفنيين والمخرجين , واشترى عدداً من الاستوديوهات لتطوير انتاجه الخاص وأصبح له فنه الخاص . لذلك لجأ صناع الأفلام إلى الأنظمة المختلفة التى تعتمد على فرد الصورة وعلى الشاشة العريضة , فكان منها السينراما Cinerama , والفيستافيجن Vistavision , والسينما سكوب Cinemascope , والتود Todd Ao , والبنافيجن Panavision السينراما Cinerama: ظهر نظام السينراما فى نيويورك سنة 1952 وفيه يتم تقسيم عرض مجال التصوير إلى ثلاث أجزاء . ويتم التصوير بثلاث كاميرات مركب على كلا منهما نفس نوع العدسة . وكل كاميرا يخصص لها 1/ 3 المساحة المصورة , ويتم عرض الثلاث أفلام 35 مللى من ثلاث آلات عرض فى وقت واحد " لتملىء شاشة مقوسة عريضة يبلغ نسبة ارتفاعها 8متراً وعرضها 20 متراً أى بنسبة 2.5:1 , حيث تقوم آلة العرض الوسطى بالعرض على جزء الشاشة الأوسط , وآلة العرض اليمنى بالعرض على جزء الشاشة الأيسر , وآلة العرض اليسرى بالعرض على جزء الشاشة الأيمن . ولتجنب عدم الوضوح بين الصور الثلاث والتقائهم مع بعضهم على الشاشة , تستعمل عدسات من نفس النوع فى الثلاث آلات عرض للإيحاء بأنها صورة واحدة تعرض من ألة عرض واحدة . وحتى يحصل المتفرج على الأثر المطلوب من مشاهدة شاشة السينراما كان عليه أن يجلس فى منتصف صالة العرض تماما . وقد استعملت السينراما نظام صوت ستريوفونيك , حيث يسمع الصوت من سبعة شرائط ماجنتيك " موضوعين على شريط فيلم 35مللى منفصل يتحرك فى تزامن تام مع آلات العرض الثلاثة لتغذى ستة سماعات متفرقة فى جميع أنحاء صالة العرض وخلف الشاشة نفسها . ويسمع الصوت حينذاك وكأنه يتبع الحركة تماماً التى على الشاشة من ناحية إلى أخرى . ومن هنا تهيىء السينراما تجربة حسية قوية وهى جعل المتفرج يحس أنه مشترك جسمانياً فى الحركة المعروضة على الشاشة , ولذلك على المخرج أن يسيطر تماماً على التأثير الدراماتيكى للفيلم . بل عليه أيضاً أن لايستعمل حركة الكاميرا أبداً نظراً لصعوبة تحريك الكاميرات الثلاث فى وقت واحد , ولا يعتمد على اللقطات القريبة Close ups لصعوبة تقسيمها إلى ثلاث أجزاء حتى يتم تصويرها بالثلاث كاميرات . بل عليه فقط التعامل مع اللقطات العامة Long Shots , واللقطات المتوسطة Medium Shots . ويتم عمل المونتاج للأفلام المصورة لنظام السينراما على مفيولا خاصة ذات ثلاث شاشات وتركب عليها الأفلام الثلاث فى نفس الوقت وفى تزامن تام .
وعند القطع فى واحد من الأفلام , يجب القطع فى نفس المكان فى االفيلمين الآخريين .
وقد لاقت السينراما نجاحاً كبيراً , إلا أن صعوبة التلاحم الدقيق بين الصور الثلاث , نظراً لأن أقل فارق فى معالجة اللقطات الثلاث فى المعمل , يظهر الخطوط الفاصلة بينهما , مما يفسد الإيحاء المقصود منها . وغلاء النظام بما يحتويه من ثلاث آلات للعرض وشاشة خاصة وكميات كبيرة من الأفلام , وصعوبة العثور على موضوعات تصلح لملىء هذه الشاشة المقوسة العريضة , حدت من انتشارها بشكل واسع . وكانت أنجح الأفلام التى استعملت السينراما هى أفلام الرحلات ذات المشاهد المصورة فى الأماكن الطبيعية .